
مَثَلٌ للذين كفروا وللذين آمنوا
لم ترد أمثال القرآن الكريم للكفار والمنافقين فقط وإنما وردت للجميع لأن حاجة المؤمن للمثل لا تقل حجماً عن حاجة الكافر له لأن الجميع متساوون بافتقارهم إلى تعاليم ربهم وإراشاداته ومواعظه، أما صدور المثل للكافر فلأجل أن يتعظ ويؤمن، وأما صدوره للمؤمن فلأجل أن يثبت على الإيمان ويقوى بذلك التزامه.
قال سبحانه(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) فهذان مثالان أحدهما للكفار والآخر للمؤمنين، أما الأول فإنه تعالى يريد أن يوضح مسألة للكفار الذين عبدوا غيره أو أشركوا به وهو أن من تعبدونه من دون الله عز وجل لن يغني عنكم من الله شيئاً في يوم الحساب لأن كل إنسان مسؤول عن معتقده وعمله ولا ينتظر الشفاعة من أحد فلن يشفع له أحد لكونه غير مستحق لها، فإذا كان نبي الله نوح ونبي الله لوط لم يغنيا عن زوجتيهما من الله شيئاً رغم القرب بينهما فإنه لن يغني عنك الكفار ولا الأصنام، فلا المؤمن يجبر الكافر على الإيمان ولا الكافر يجبر المؤمن على الكفر مهما كان العلاقة بينهما متينة وقوية ومهما كانت الرابطة التي تربطهما ببعضهما خاصة.
وهنا أود أن أستغل فحوى هذا المثل للإشارة إلى مسألة إجتماعية دينية نعيشها يومياً وهي مسألة أن يكون الزوج عاصياً وزوجته ملتزمة بأحكام الله أو العكس فإن الناس يعيبون على الزوج عصيان زوجته أو على الزوجة عصيان زوجها ومنهم من يدعوهما إلى الطلاق وهذا سلوك غير صحيح، فقبل أن تدعو الرجل إلى طلاق زوجته العاصية كن واعظاً لها ومرشداً علّها تابت وصلح أمرها وكذلك منهم من يوسوس للمرأة المؤمنة أن تطلب الطلاق من زوجها العاصي لأنه عاص، نحن نقول إذا لم يكن الزوج مكرهاً زوجته على المعصية فلا داعي لأن تطلب الطلاق منه بل عليها أن تعظه وتذكره بالله وعقابه وثوابه كما صنع نوح مع زوجته ولوط مع امرأته فإنهما كانا يعظانهما على شكل الدوام ولم يطلّقاهما.
إن الذين يدعون إلى التفريق بين مثل هذين الزوجين إنما هم قاصرون عن الإقناع والوعظ بل هم متسرعون في الحكم، وهنا لا ينبغي التسرع بل لا بد من إعمال الحكمة حتى نجمع الزوجين على طاعة الله، وأما بالنسبة للمثال الذي ضربه الله تعالى للذين آمنوا فإنه يدعوهم به إلى الثبات على الإيمان مهما كانت الظروف صعبة عليهم فلن تكون ظروفهم أصعب ولا أدق من ظرف آسية بنت مزاحم زوجة فرعون التي توفرت له جميع زخارف الدنيا والعلو في الأرض فأبت كل شيء بغية أن يرضى عنها رب العالمين لأنها أدركت بأن ما عند الله خير وأبقى مما عند زوجها فرعون، فلم تتخل عن إيمانها ولم تقدم التنازلات لزوجها خوفاً من الله تعالى حتى وصل به الأمر إلى إعدامها ففضلت الموت وهي مؤمنة بالله على الحياة في ظل الكفر والعصيان.
وكثيرات يتحججن بأن أزواجهن يفرضن عليهن ارتكاب بعض المعاصي كما عندما يطلب الزوج من زوجته أن تشرب معه الخمر ليستلذ بذلك فهي تخاف أن تكسر خاطر زوجها كيلا يخاصمها أو يطلقها فتشرب معه الخمر أو تخلع الحجاب لأنه يحبها أن تكون سافرة بين الناس.
كل هذه حجج وذرائع لا وجه لها في الشريعة التي أعطتنا مثالاً حياً عن واقع هذا الأمر وهو آسية بنت مزاحم ومريم ابنة عمران رغم الضغوطات العنيفة التي مورست في حقهما.
فعلى المؤمن سواء كان رجلاً أو إمرأة أن يحافظا على دينهما وأن لا يتنازل أحدهما للآخر على حساب الدين والمعتقد فإن ذلك أمر خطير على مصيرهما في يوم الحساب، وليعلم الجميع أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق مهما كان هذا المخلوق عزيزاً عليك أو مهماً لديك.
وهذه الحالة لا تحصل بين الزوجين فقط بل ربما تحصل بين الوالد وأولاده أو الوالدة وأولادها أو الأخوة فيما بينهم كما لو أيد الوالد ولده المحقوق فدافع عنه وهو يعلم بأنه الجاني.
الشيخ علي فقيه